عام

أطار مهد الإمام المجذوب (تاريخ وحضارة)

أطار مهد الإمام المجذوب

بسم الله الرحمن الرحيم

أطار .. تاريخ وحضارة
1- تمهيد:
بسم الله الرحمن الرحيم وصلي الله علي نبيه الكريم
إن منطقة آدرار منطقة مثقلة بالتاريخ وتدل المعطيات المحلية والشواهدا الأركولوجية ذات الأبعاد المحورية في التوجيه والاستقطاب بحكم ماكان لهذه المنطقة عبر تاريخها من إشعاع ثقافي ودور طلائعي منذ قيام الحركة المرابطية خلال القرن 5هـ 11م حيث احتفظت المنظفة بأقدم ذكر للعمران والتقري (آزوكي) إلى جانب الأدوار الثقافية والاقتصادية لمدنها العتيقة والتي من بينها أطار ومركزها النابض (كرن الكصبة) بباطن آدرار.
أ‌- نسعى من خلال هذا البحث إلى تسليط الضوء على هجرة مؤسسي مدينة أطار (أبناء شمس الدين) من شنقيط إلى باطن آدراروكيف ساهموا في انتشار الثقافة العربية الإسلامية بالمنطقة التي كان يفترض أنها منطقة صنهاجية أو بافورية.
ب- تسليط الضوء على النقص الحاصل في المعلومات المتعلقة بعلماء مدينة أطار ومخطوطاتهم رغم غزارة هذا الموروث.
ج- السعي لإظهار دور مدينة أطار في الثقافة العالمة والتحولات الفكرية والثقافية التي كان علماؤها روادا لها(الإمام المجذوب).

2- التأسيس والاستيطان ( مدينة أطار):
أطار معروف بجبل لمتونه عند الجغرافيين العرب وجبل البافور عند البرتغاليين وقد فتحها المرابطون في أول معركة لهم مع السكان المحليين, وقد ورد أول ذكر لأطار مدون عند ابن عذاري في القرن الأول في معرض حديثه عن صولات عقبة بن نافع في الصحراء .
و أقدم ذكر لمدينة أطار في الوثيقة العتيقة للعالم ومفتي المدينة المنورة إبراهيم ابن شهاب الدين الشهرزوري التي رد فيها على تساؤلات أبناء شمس الدين حول كتاب المنة في محرم فاتح سنة 1082هـ (أخبار الأخيار بأجوبة سوآلات أهل أطار) ، الذي حصلنا عليه أثناء بحث الماستر سنة 2016م، من المدينة المنورة.
وقد ذكر المؤرخ عبد الودود ولد أنتهاه في كتابه نزهة الأخيار في الغامض من الحروب والأخبار أن أبناء شمس الدين (أحمد ومحمد فاضل) حين نزلوا من شنقيط إلى الباطن نزلوا في موضع آزوكى ووجدوا فيه قوما من البافور وقد طردوهم من المكان- وهذا ما أكدته الدراسات الأركولوجية أن المستوى الثاني يصادف نزول أحمد ولد شمس الدين في القرن 11هـ -، وبعد ذلك نزلوا موقع أدباي والبيظات وبسبب السيول في المنطقتين انتقلوا إلى موقع كرن الكصبة في أطار، وتابع محمد فاضل إلى أن وصل تونكاد وأعترضه قوم من البافور وقضى عليهم ، وهو ما يعني أن المؤسسين أبناء شمس الدين كانوا مهتمين بالسيطرة على المياه و المناطق الصالحة للغرس النخيل وتقع على الطرق التجارية.
وتقول احدى الروايات الشفوية المتداولة عند سكان مدينة أطار القدماء أن أبناء شمس الدين وجدوا في المكان زنوج (قنقارة) وسألوهم عن اسم المكان فقالوا (ATARA) .
ويلاحظ من هذه الإشارات أن المنطقة كانت معمورة قبل قدوم أبناء شمس الدين من شنقيط من قبل القنقارة أو البافور أو لمتونة التى يحمل الجبل اسمها ويوجد ضمن مناطقها.
كما تشير إلي ذلك مسميات الأماكن والأشياء التي تعود إلى لغات أو لهجات غير العربية مثل: تزكين، تزكرز, الطواز، اتويزكت، ترون، أغنمريت، إويل, إلايكن، تاسوك…
كما أن التقري في الأودية التابعة لسكان أطار أقرب إلى التقري عند الزنوج في الجنوب (التكيت) والمحمل…
إلا أن التقري في مدينة أطار وحسب الدراسات الأثرية والوثائق المتحصل عليها يعود إلى أبناء شمس الدين في القرنين 9، 10 هجريين أي منذ ما يناهز أربعة قرون من الاستقرار المتواصل رغم كل الصعاب.
ويبدو أن علاقة من نوع ما جمعت بين أبناء شمس الدين و إديشلي المسيطرين على المنطقة منذ انزياح المرابطين إلى الشمال، ويمكن أن يكون للنسب الشريف لأبناء شمس دور في ترسيخ هذه العلاقة، التي نتج عنها شكل من أشكال التعاون تجسد في نوع من تقاسم الأدوار بين الطرفين في آدرار حيث اختص أبناء شمس الدين بالدور العلمي والاقتصادي واحتفظ إديشلى بالسلطة السياسية والعسكرية وذلك قبل حصار تكل من قبل عرب أركَيطة .
3- دلالة اسم (كرن الكصبة):
لكصيبة هو تصغير في اللهجة الحسانية لاسم القصبة الذي كان يطلق في منطقة الغرب الإسلامي على قلاع محصنة تأخذ شكلا مستطيلا غير مكتمل، وتوجد داخل أسوار وتأوي دواوين الحكام وقد يتحصنون بها عندما تهددهم المخاطر ، مثل ما ذكر المؤرخ عبد الودود ولد أنتهاه أن أحمد بوتاج تحصن في كرن الكصبة أثناء هجوم ومحاصرة تركز وإدوعلي، وكان أول ذكر للكصبة في مصدر مدون عند عبد الودود ولد انتهاه، لكنه هذه المرة جاء مركب من كلمتين (كرن الكصبة) .

4- المظاهر الثقافية والعلمية: (العلم والعلماء)
تابع أبناء شمس الدين (أحمد ومحمد فاضل) نهج والدهم إمام مسجد شنقيط في نشر الثقافة الاسلامية العربية في باطن آدرار وحافظوا على استمرار الروافد التقليدية عبر قنوات الاتصال المعروفة مع الجوار الشنقيطي ومع المشرق و التي من أبرزها رحلات الحج والاستزادة من العلوم (الإجازات الأسانيد لقاء العلماء وجلب الكتب…) ومن أشهر رحلات أبناء شمس الدين إلى الحج:
– الرحلة الأولى : مجموعة بقيادة محمد بن أحسين(المجذوب) خلال القرن 11هـ التي لقي خلالها المجذوب بعض من علماء الحرمين، وجاء أبناء شمس الدين بحجر من مكة المكرمة وضعوه في أساس مسجد العتيق في كرن الكصبه .
– الرحلة الثانية:مجموعة أخرى بقيادة أحمد (بوتاج) ولد الطيب والتي أخذوا فيها كتاب المنة إلى علماء المشرق للتقريظ .
– وتوجد رحلات أخرى كثيرة مثل: رحلة أحمد الفقيه ابن عبد الرحمن، ورحلة العلامة سيد ولد أخليل…
وقد تجلت أبرز مظاهر الحركة الثقافية والعلمية في عدد كبير من العلماء والفقهاء والمساجد والمحاضر والمكتبات العلمية والأهلية والكثير من المؤلفات في مجالات متعددة من: فقه، وقضاء، ونوازل، وعلم الكلام، والتصوف وعلم اللغة…
كما كان أبناء شمس الدين في مدينة أطار مهتمون بنسخ الكتب المهمة مثل: الفقيه بانم الذي نسخ الكثير من المصاحف والكتب المهمة …. و الحضرمي ولد البينان ت 1385هـ.
4- الآثار العلمية لعلماء مدينة أطار:
لقد سجل لنا التاريخ أسماء قامات علمية كبيرة أضاءت دياجير الجهل في زوايا الصحراء المعتمة بمؤلفات هامة نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:
1- للإمام محمد ابن أحسين المجذوب ت 1098هـ، مؤلف كتاب المنة وهو مؤلف ديني مرقم بالتضرع والصلوات وطلب الرزق السماوي ودفع القحط كما تناول الكثير من المواضيع مثل معرفة الله والعلوم الإنسانية والمعارف الشرعية والمباحث العقلية ومقولات الفلاسفة وآراء المتكلمين وأطروحات الساسة والمفكرين بالإضافة إلى رؤية إصلاحية.
وقد جسد هذا المخطوط بروز تيار فكري جديد في مدينة أطار مغاير ومعارض للقديم التقليدي ومثل تحولا عميقا في المجتمع آنذاك .ووضع حجر الأساس للحركة المجدوبية التي أثارت سجالا بين علماء المنطقة.
وقد كان الكثير من علماء بلاد شنقيط مختلفون حول هذا المؤلف فقليل منهم مؤمنون به وأكثرهم منكرون له، كما قال أحمد (بوتاج) للعلام ابراهيم الشهرزوري في المدينة المنورة ، وقد اعتبر علماء شنقيط أن قوله الأخذ عن ميت (الإمام الحضرمي) كفر وزندقة مثل العالم الطالب محمد ابن الأعمش، و عبد الله البوحسني وكانت له معهم سجالات فكرية.
وقد اتفق معه بعض من علماء المشارقة مثل: أحمد ابن حمدان الكسائي، عبد الباقي الزرقاني، وعلي الأجهوري ومحمد الخرشي والشيخ ابراهيم الشهرزوري…
2) بعض من مؤلفات القوم:
• ) مؤلفات: عبد الله بن أحمد بن الفقيه (بانم) ت 1275هـ
 – مسألة العرف الشرطي
 – مراسلات الشيخ سيديا الكبير
 – فتاوى بانم وأحكامه
 – عدة مقطوعات شعرية
• مؤلفات: السالك بن الطالب عبدي ولد أحمدناه ت 1333هـ
 – رسالة في وجوب الجهاد
 – تأليف في القضاء(فيما يقع بين اثنين)
 – تأليف في الفرائض
• مؤلفات: محمد سيدينا بن برو ت 1346 هـ
 – مجمع الأحكام على عوائد الخصام
 – سفر المزايا في نسب الزوايا
 – شروط الموثق
• مؤلفات: سيد أحمد بن أعبيدن ت 1349 هـ
 – مجموع الخيرات لطالب النجاة
• مؤلفات: محمد بدر الدين بن عمار ت 1369هـ
 – كتاب في ذم التقليد
 – نظم في سنية القبض والرفع
 – نظم على من قصر في الحضر
• مؤلفات: سيدي بن أخليل ت 1364
 – تلخيص غيث النفع
 – مبين الحقائق
• مؤلفات: عبد الودود بن أنتهاه ت 1372هـ.
 – تحفة الأخيارفي الغامض من الخروب والأخبار(تاريخ آدرار وبني شمس الدين ترجمه نورس وجعله ملحقا في كتابه)
• محمد لحبيب بن هيين ت 1399هـ.
 – رسالة في القضاء
 – ديوان شعر وانظام.
3) المكتبات الأهلية: المنتشرة في مدينة أطار والتي يعود بعض مخطوطاتها للقرن 10هـ مثل: كتاب المنة.
4) المعالم الأثرية في مدينة أطار:
 – آزوكي عاصمة المرابطون وحصن يانو وضريح قاضي المرابطون
 – سور كرن القصبة
 – الصفية
 – المباني القديمة التي تظهر الفن المعماري المتقدم
 – 6000 قطعة أثرية في متحف اتويزكت مند العصور الحجرية
 – 2000 قطعة حلي النساء متحف اتويزكت
5) استنتاج وتوصيات:
وفي الأخير فإن موقع مدينة أطار الأثري خلف حضارة ذات آثار متعدد بقيت شاهدة على عراقتها ودالة على ما كان يتميز به مؤسسوها من عمق في التفكير والإبداع في فن العمارة، والآلات التي استخدموها من أبواب وسقوف ومعدات…، ونظام حياتي ومؤسساتي وأهلي متماسك، ويتمتع هذا الموقع الأثري بوجود آثار ثمينة والتي يجب أن تتم دراستها وفحصها من قبل المختصين من أجل التعرف على طبيعة الحياة التي كانت سائدة في المنطقة، وتوظيف الوسائل التقنية الحديثة كالتصوير الجوي والكواشف المعدنية ورسم الخرائط واستخدام الكربون14.
كما تجب المحافظة على موقع مدينة أطار من العبث وخاصة التراث الثقافي الطبيعي والعلمي، ووضع خطط قانونية وعلمية ومادية وإدارية تخدم حماية التراث الإنساني والحفاظ عليه من الضياع، وخاصة بقايا المسجد، والسور، ودار الضيافة، والبنايات المحيطة والآلات التي وجدت، ومقبرة(أولاد ميجه) كما أننا نري أن العيون المبنية من الحجارة في المنطقة لم يتم العبث بها ويمكن استنطاقها والاعتماد عليها.
ونتيجة لغياب دراسات أركولوجية وأهمية الوثائق المكتوبة المتحصل عليها فإننا نترك السؤال مطروحا أمام الباحثين والمهتمين بتاريخ وتراث المنطقة، عن السبل الكفيلة بجعل مدينة أطار تنال ما تستحقه من اهتمام محلي ودولي؟.

إعداد الباحث: سيد محمد ولد جدو

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى